الأحد، 13 أغسطس 2017


طريق الراسخين في العلم وأتباعهم ....



بسم الله الرحمن الرحيم 

وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد :

فإنه كلما بعُد العهد عن زمن النبوة كثرت البدع والأهواء وقلٍّ العلم والهدى والمعصوم من عصمه الله القائل {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}  والقائل {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا }

والذي يقرأ في بعض  كتب المذاهب الفقهية يرى من الإختلاف والتفرق والتقليد الأعمى بل وتأويل النصوص على غير مراد الشارع منها وليّ أعناقها لموافقة المذهب وضرب المذهب الذي استدل بها على وجهها  ما يندى له الجبين 

وهذا الواقع الأليم  جعل كثيرا من أهل العلم ممن جاء بعد الأئمة الأربعة ممن تفقه على مذهب من هذه المذاهب أو من غيرهم يتجردون لنصوص الشرع والعمل بما أوصى به هولاء الأئمة من الأخذ من حيث أخذوا والنهي عن تقليدهم ونصوصهم مبثوثة في كتب أصول الفقه وغيرها وهي معلومة مشهورة .

والذي أريد الإشارة إليه هنا هو أن الحق واحد وقد يكون في مذهب من تلك المذاهب الأربعة وقد يجتمعون عليه وقد يكون على خلاف قولهم ويكون مع أحد المذاهب التي لم تشتهر كاشتهارها وَقد جمع ابْن دَقِيق الْعِيد رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل الَّتِي خَالف مَذْهَب كل وَاحِد من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الحَدِيث الصَّحِيح انفرادا واجتماعا فِي مُجَلد ضخم وَذكر فِي أَوله أَن نِسْبَة هَذِه الْمسَائِل إِلَى الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين حرَام وَأَنه يجب على الْفُقَهَاء المقلدين لَهُم مَعْرفَتهَا لِئَلَّا يعزوها إِلَيْهِم فيكذبوا عَلَيْهِم .([1])
وقد قال الإمام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى كما في مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 475)
" ما من أحد إلا ويَذهب عليه سنّة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتعزب عنه. فمهما قلتُ من قولٍ أو أصَّلْتُ من أصْلٍ فيه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلاف ما قلتُ - فالقول ما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قولي."

قال الإ مام ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور (3/ 470)
وقد صرَّح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النَّخَعي أنه يُستتاب، فكيف من  ترك قول اللَّه ورسوله لقول مَنْ هو دون إبراهيم أو مثله ؟
وقال جعفر الفريابي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ: حدثني الهيثم بن جميل، قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد اللَّه إن عندنا قومًا وضعوا كتبًا يقول أحدهم: ثنا فُلان، عن فلان، عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بكذا وكذا، و [حدثنا] فلان عن إبراهيم بكذا، ونأخذ  يقول إبراهيم. قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية كما صح عندهم قول إبراهيم، فقال: هؤلاء يُستتابون ، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. أهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (3/ 412)
الوجه الثامن أن أهل السنة لم يقل أحد منهم إن إجماع الأئمة الأربعة حجة معصومة ولا قال إن الحق منحصر فيها وإن ما خرج عنها باطل بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري والأوزعي والليث بن سعد ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولا يخالف قول الأئمة الأربعة رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل . اهـ

وهذا المنهج الذي سار عليه علماؤنا المعاصرون كالشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ مقبل الوادعي وغيرهم رحمهم الله وحفظ الأحياء منهم وكلامهم فيه كثير يطلب في مظانه يقررون المسائل بأدلتها من الكتاب والسنة ولوكانت تلك المسائل مما أجمع على خلافها - الأئمة الأربعة فضلا عن آحادهم -  مع معرفتهم بعلمهم وتقدمهم وشهادتهم لهم بأنهم أعلم منهم وأعرف وغير هذا من الأوصاف التي تليق بهم .

 قال الإمام الألباني في كتابه أصل صفة الصلاة (1/ 22)
 ثم إني حين وضعت هذا المنهج لنفسي - وهو التمسك بالسنة الصحيحة -،وجريت عليه في هذا الكتاب وغيره - مما سوف ينتشر بين الناس إن شاء الله تعالى -؛ كنت على علم أنه سوف لا يُرْضِي ذلك كلَّ الطوائف والمذاهب، بل سوف يوجه بعضهم - أو كثير منهم - ألسنة الطعن، وأقلام اللوم إليَّ، ولا بأس من ذلك عليَّ؛ فإني أعلم أيضاً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وأن: " من أرضى الناس بسخط الله؛ وكَلَه الله إلى الناس "؛  كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ولله دَرُّ من قال:
ولست بناجٍ من مقالةِ طاعِنٍ ... ولو كنتُ في غارٍ على جبلٍ وعرِ
ومن ذا الذي ينجو من الناسِ سالماً ... ولو غابَ عنهم بين خافِيَتَي نسرِ
فحسبي أنني معتقد إن ذلك هو الطريق الأقوم، الذي أمر الله تعالى به المؤمنين،
وبيَّنه نبينا محمد سيد المرسلين، وهو الذي سلكه السلف الصالح من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم، وفيهم الأئمة الأربعة - الذين ينتمي اليوم إلى مذاهبهم
جمهور المسلمين -، وكلهم متفق على وجوب التمسك بالسنة، والرجوع إليها، وترك
كل قول يخالفها، مهما كان القائل عظيماً؛ فإن شأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم، وسبيله أقوم, ولذلك فإني اقتديت بهداهم، واقتفيت آثارهم، وتبعت أوامرهم
بالتمسك بالحديث؛ وإن خالف أقوالهم، ولقد كان لهذه الأوامر أكبر الأثر في
نهجي هذا النهج المستقيم، وإعراضي عن التقليد الأعمى. فجزاهم الله تعالى
عني خيراً . أهـ
وختاما إليك هذه القصيدة التي كان شيخنا مقبل رحمه الله كثيرا ما يتمثل بها وهي

لابن  الأمير الصنعانيّ رحمه الله تعالى يمدح فيها أهل الحديث
ويذمّ التلقيد والإعراض عن الحديث، متمسّكًا ببعض المذاهب

سَلاَمٌ عَلَى أَهْلِ الحدِيثِ فَإِنَّنِي *** نَشَأْتُ عَلَى حُبِّ الأَحَادِيثِ مِنْ مَهْدِي
هُمُ بَذَلُوا في حِفْظِ سُنَّةِ أَحْمَدِ *** وَتَنْقِيحِهَا مِنْ جُهْدِهِمْ غَايَةَ الجهْدِ

وَأَعْنِي بِهِمْ أَسْلاَفَ أُمَّةِ أَحْمَدِ *** أُولَئِكَ في بَيْتِ الْقَصِيدِ هُمُ قَصْدِي
أُولَئِكَ أَمْثَالُ الْبُخَارِي وَمُسْلِمِ *** وَأَحْمَدَ أَهْلِ الْجدِّ في الْعِلْمِ وَالجدِّ

بُحُورٌ وَحَاشَاهُمْ عَنِ الجزْرِ إِنَّمَا *** لهُمْ مَدَدٌ يَأْتِي مِنَ الله بِالْمدِّ
رَوَوْا وَارْتَوَوْا مِنْ بَحْرِ عِلْمِ مُحَمَّدٍ *** وَلَيْسَ لهُمْ تِلْكَ المذَاهِبُ مِنْ وِرْدِ

كَفَاهُمْ كتَابُ الله وَالسُّنَّةُ الَّتِي *** كَفَتْ قَبْلَهُمْ صَحْبَ الرَّسُولِ ذَوِي المجْدِ
أَأَنْتُمُ أَهْدَى أَمْ صَحَابَةُ أَحْمَدِ *** وَأَهْلُ الْكِسَا هَيْهَاتَ مَا الشَّوْكُ كَالْوَرْدِ

أُولَئِكَ أَهْدَى في الطَّرِيقَةِ مِنْكُمُ *** نَعَمْ قُدْوَتِي حَتَّى أُوَسَّدَ في لحدِي
وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ المُقَلِّدِ وَالُهدَى *** وَمَنْ يَقْتَدِي وَالضِّدُّ يُعْرَفُ بِالضِّدِّ

فَمَنْ قَلَّدَ النُّعمانَ أَصْبَحَ شَارِبًا *** نَبِيذًا وَفِيهِ الْقَول لِلْبَعْضِ بِالحدِّ
وَمَنْ يَقْتَدِي أَضْحَى إِمَامَ مَعَارِفٍ *** وَكَانَ أُوَيْسًا في الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ

فَمُقْتَدِيًا في الحقِّ كُنْ لاَ مُقَلِّدًا *** وَخَلِّ أَخَا التَّقْلِيدِ في الأَسْرِ بِالْقِدّ
وَأَقْبَحُ مِنْ كُلِّ ابْتِدَاع سَمِعْتُهُ *** وَأَنْكَاهُ لِلْقَلْبِ المُوَفَّقِ لِلرُّشدِ

مَذَاهِبُ مَنْ رَامَ الخلاَفَ لِبَعْضِهَا *** يُعَضُّ بِأَنيَابِ الأَسَاوِدِ وَالأُسْدِ
يُصَبُّ عَلَيْهِ سَوْطُ ذَمٍّ وَغِيبَة *** وَيَجْفُوهُ مَنْ قَدْ كَانَ يَهْوَاهُ عَنْ عَمْدِ

وَيُعْزَى إِلَيْهِ كُلُّ مَا لاَ يَقُولُهُ *** لِتَنْصِيصِهِ عِنْدَ التِّهَامِيِّ وَالنَّجْدِي
فَيَرْمِيهِ أَهْلُ الرَّفْضِ بِالنَّصْبِ فِرْيَةً *** وَيَرْمِيهِ أَهْلُ النَّصْبِ بِالرَّفْضِ وَالجحْدِ
وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ سِوَى أَنهُ غَدَا *** يُتَابعُ قَوْلَ الله في الحلِّ وَالْعَقْدِ
وَيَتْبَعُ أَقْوَالَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَهَلْ غَيْرُهُ بِاللهِ في الشَّرْع مَنْ يَهْدِي

لَئِنْ عَدَّهُ الجهَّالُ ذَنْبًا فَحَبَّذَا *** بِهِ حَبَّذَا يَوْمَ انْفِرَادِيَ في لحدِي
عَلاَمَ جَعَلْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ دِينَنَا *** لأَرْبَعَةٍ لاَ شَكَّ في فَضْلِهِمْ عِنْدِي

هُمُ عُلَمَاءُ الدِّينِ شَرْقًا وَمَغْرِبًا *** وَنُورُ عُيُونِ الْفَضْلِ وَالحقِّ وَالزُّهْدِ
وَلَكِنَّهُمْ كَالنَّاسِ لَيْسَ كَلاَمُهُمْ *** دَلِيلًا وَلاَ تَقْلِيدُهُمْ في غَدٍ يُجدِي

وَلاَ زَعَمُوا حَاشَاهُمُ أَنَّ قَوْلهُمْ *** دَلِيلٌ فَيَسْتَهْدِي بِهِ كُلُّ مُسْتَهْدِي
بَلَى صَرَّحُوا أنِّا نُقَابِلُ قَوْلَهَمْ *** إِذَا خَالَفَ المنْصُوصَ بِالْقَدْح وَالرَّدِّ







كتبه : أبو حسان  سمير بن علي القيسي

                                                                      




[1] قاله الإمام صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله العَمْري المعروف بالفُلَّاني المالكي (المتوفى: 1218هـ) في كتابه إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار (ص: 99) ونقله الشيخ الألباني رحمه الله في أصل الصفة (1/30)

0 التعليقات:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets